اعلم يا سيدي القارئ أن الذكر في الليل أفضل منه في النهار ؛ لأن النهار مجال المعاش , والليل محل التجليات , والمهم الطهارة حسا ومعنى , فإنها أبعث للهمة , وأقرب للقبول والفتوح , حتى إذا انتهيت من ذكر الأسماء فارجع من الأول , وهكذا طوال ايام الحياة .. وعليك بذكر الاسم الواحد من مرة إلى عشرة , ومن عشرة إلى مائة , ومن مائة إلى ألف , وهكذا ؛ فكلما زاد العدد , كثر الثواب والمدد , والرسول الكريم يقول : ( سبق المفردون ؛ قالوا وما المفردون يا رسول الله ؟ قال صل الله عليه وسلم : ( الذاكرين الله كثيرا) .
ومن الأهمية بمكان أن تتلو سورة الفاتحه الشريفة ــ قبل الذكر وعند ختامه ــ للحضرة الشريفه المحمدية .
فاخرج ياسيدي من ورطة المحجوبين , إلى آفاق الذاكرين , لتسير في طريق الرجال الذين " لا تلهيهم تجارة ولا بيعٌ عن ذكر الله " .
وتلقين ذكر الأسماء لا يكون إلا لمن عندهم أهلية واستعداد لذلك , فإذا وفقت يا أخي العزيز وذكرت أسماء الله فاثبُت في هذا المقام ؛ حتى تعبر هذه الهوّة السحيقة التي بين ــ أنا وأنت ــ وحتى تفهم معنى قول الحق : " إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ".
ولا تعتذر بديق الوقت , ومتاعب الأيام , فإن العمر يمضى , والديان لا ينام .
وختام المطاف اقول ؛ هذه ومضة خاطفة عن الذكر وطرائفه وأنواعه ومعالمه , والتلميح خير من التصريح , والأشارة تغنى عن العبارة , والرسول الحبيب صل الله عليه وسلم يقول : ( ألا أن لله في أيام دهركم نفحات , ألا فتعرضوا لها ) . وهل هناك شئ أحب إلى الله من ذكره ؟ وهو سبحانه يقول : " فاذكرونى أذكركم " . فمن ذكر الله وجده , ومن وجده فقد وجد كل شئ .
وإلى هنا أقف بك ياسيدي القارئ الكريم , فإذا وجدت لكلامي هذا وقعا في نفسك , فأحسست شوقا إلى ذكر ربك , فأنت المقصود بهذا الخطاب , وإن كان الأمر غير ذلك فراجع نفسك المرة بعد المرة , واذكر الأسماء بحسب طاقتك شيئا فشيئا , وتذكر وقت تلاوة الأسماء قوله تعالى : " وهو معكم أينما كنتم " . ومن ذاق عرف , ومن حُرم انحرف.
جعلنا الله وإياك من " الذين إذا ذُكر الله وجلت قولُبهم وإذا تليت عليهم آياتهُ زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون " . ومن " الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب " .
وقد آن الأوان لتقديم شرح الأسماء الشريفه ؛ لتكثر التفكر بها , وتُطيل الوقوف عند معانيها , حتى تُشاهد عجائب الآيات , متجلية في مظاهر الأسماء والصفات . فكن بالذات متعلقا , وبالصفات متخلقا , عسى الله أن يكشف عنا الحجاب , ونفوز بالقرب من هذه الرحاب , وسبحان من لو شاء لهذى الناس جميعا .
أسألكم الدعاء أختكم هبه
ليست هناك تعليقات: